هل اسدل الستار على زمن الفن الجميل في العالم العربي ؟
الكاتب محمود الخطيب من عمان
بعد ان استغفلت ساحة الغناء، اجساد لا علاقة لها بعالم الاغنية، واصبح "اللوك" هو المتحكم في نسبة رواج الاغنية وانتشارها وترديدها على الالسن، بحيث اصبح الكم الكبير من "موديلات" الكليب هن السبب الرئيسي وراء رواج اي عمل فني، بعيدا عن مثلث نجاح اي اغنية "الكلمات واللحن والصوت"، ووجدان صانعي هذا المثلث واحاسيسهم الصادقة المنبعثه من تجاربهم الشخصية، اصبحت الاغنية حاليا مرتكزة في مضمونها على الهزل، ومصطلح الأفيه الجاهز الذي يستسهل الناس حفظه وتداوله، بحيث اصبح القائمون على صناعة الاغنية هم المتحكمون بالسوق، وفق مصطلح "انفق هزلا واكسب مالا" بأقصر الطرق، كيف لا، والجمهور بات يتقبل اي شيء، وكل شيء، كأنه مخدر الفؤاد ومسير العقل، ولا يرفض اي اسفاف، بل يتقبله ويجري نحوه.
أذكر.. عندما ظهرت نانسي عجرم قبل سنوات قليلة، في كليبها "الجريء أنذاك" اخاصمك آه، قامت الدنيا ولم يجدي نقاد الاغنية اي تبرير لذلك الاسفاف والعري، وناصب نواب بعض الدول العربية العداء لبنت عجرم، التي دخلت باغنيتها "قهوة للرجال" بثوب قصير واكمام عارية، ولكن نانسي بصوتها الجميل اغلقت هذا الملف الذي ذاع صيتها بعده، لتؤكد "حسن نيتها" عندما ادخلت مفهوما جديدا لتصوير الفيديو كليب مع المخرجة اللبنانية نادين لبكي.
ولم يكن ذلك سوى اشارة لباقي "النجمات"، فلم يكد الجمهور يستفيق من ذهوله وهو يرى اغنية لاليسا ظهرت بها "بشرشف فقط"، حتى ألفت اذن المستمع "آهات هيفاء وهبي" و"مناجات دومنيك حوراني لعتريس"، بحيث اصبحت الاغنية هذه الايام فقط "للنظر".
ويبدو ان الغيرة الفنية مما يجري، التي كمنت وقيدت لفترة طالت عن الاربع سنوات في لبنان، غافلت عاصمة الفن العربي وهوليوود الشرق القاهرة، حتى استوطن الاسفاف الاغنيات المصرية الجديدة، والتي يقودها ثله من "التافهين الجدد"، بحيث صارت اغاني الزمن الجميل لام كلثوم وعبد الحليم وفريد الاطرش واسمهان وليلى مراد وغيرهم، غريبة عن الاذن ولا تستساغ، اذ عمد منتجو الافلام التي اطلق عليها "موجة افلام الشباب" الى اقحام الاغنية التي تصمم على مقاس الغريزة، في اجواء هذه الافلام، غير عابئين بالنتيجة التي من الممكن ان يثيرها ذلك، فهل اغنيات كـ "اركب الحنطور واتحنطر" او "انا بحبك يا حمار" وغيرها، تساهم في رفعة الفن وتقدمه، واذا كان سعد الصغير قائد هذه الموجة من اغنيات "التوتو ني" سعيد بما يحققه من انتشار، ما رأي الشارع المصري وفنانوه ونقاده ومنتجوه وصناع افلامه، من موجات التحرش الجنسي التي شهدتها الشوارع المصرية، وكتب عنها الاعلام طويلا، بعد مشاهدة "الشباب المكبوت" لاغنية "العنب العنب" التي ذاعت بفضل جرأة سعد الصغير والراقصة دينا.
هذا الانتشار لهكذا اغاني، سيساهم في تسميم الذوق العام، وسيصل بفض اغفاله وسهوله انتشاره الى كل البقع التي من الممكن ان تسبب مزيدا من الاسفاف الفني، فلا بد من حد لوقفه، بدلا من الزهو باستضافة هذا الهزلي او ذلك، او التفاخر بأن اجهزتنا الخلوية، عندما يأتينا عبرها اتصال.. تنهق بأغنية "انا بحبك ياحمار".